Friday, February 27, 2009

عن نور و الطيب


أي متابع لمجريات السياسة في مصر على دراية بأن أقوي مرشحين للرياسة في بر الجمهورية هما عمر سليمان و أيمن نور .. الأول رئيس المخابرات و المنسق الأول للدبلوماسية المصرية في فلسطين .. و الأمر ليس سر .. قرأت عنه في الحياة و هي عربية و في جريدة أخري غربية ترجمت الشروق المقالة التي وصفته بنفس الوصف .. و لكنه و لطابع عمله و حسب ما ذكر المصدر الأخير مقرب من مبارك .. و أذكر بشدة في الانتخابات الماضية أنه تردد أن أمريكا تريد لسليمان أن يفوز .. و راح أكثر من شخص يجزم لي أن سليمان هو الرئيس القادم .. فتفائلت .. لأن مقولة أن مصر لا يوجد بها مرشحين بثقل مبارك هو محض هراء .. و أري انها مقدمة خبيثة لتوريث جمال .. الذي بالمناسبة لا أري أي مشكلة ألبتة أن يكون الرئيس القادم طالما ترشح بشكل قانوني و فاز في تصويت حر و اقتراع سري مباشر .. أما أن يسلم اليه المنصب لأنه ابن الريس فهذا ما لا يرضاه أحد .. كون سليمان مقرب من مبارك بل و أنه احدي الشخصيات محل الثقة للرئيس يجعله في معزل عن بطش هؤلاء الذين يحمون مبارك الشخص تحت ستار مصر الدولة .. أما أيمن نور .. فهو الشخصية الثانية بجدارة .. و أقل ما يذكر تأييدا لزعمي هو أنه بالفعل نال الترتيب الثاني بعد مبارك رغم كل التزوير .. و أنه أيام جريدة الغد نزل دستور بحق و حقيق كامل لجمهوره .. أي أن الرجل كان يعتمد على القانون و التفكير في برنامجه لا طربوش و كلام ساذج .. أيمن نور رغم أي افتراءات زج به في السجن لأنه كان حيبقي الريس .. أو ما يسمي بتصفية خصوم الرئيس .. و أي حد يقول عكس هذا فهو مخطئ .. و أنا تحمست للرجل أيام الانتخابات و صوتت له رغم ما تناقلته الأفواه من أنه عميل لأمريكا .. قلت مفيش أسوأ من اللي احنا فيه .. أما خروج الراجل من السجن فهو حقا عجيب .. بجد عجيب .. النظام يعلم تمام العلم أنه منافس قوي بل و شرس ضد الرئيس و طبعا جيمي الذي يفرض فرضا على الشعب كالدواء المر .. كيف أخرجوه .. ان النظام لم يترك الغد في حاله .. اذ بعد سجن نور دأبوا على التحرش المعنوي بزوجته جميلة اسماعيل و أحرقوا المقر و زرعوا الشقاق بين قياداته و بهدلوا الست حتي أنني سمعت أنه في احد الوقعات أطلقوا عليها النسوان اياهم فأخذوا يجردوها من ثيابها .. و هي أساليب لا عجب منها في ظل نظام يملك زويل نوبل للكيمياء و يتجاهل مشروعه العلمي لأن الميزانية القومية مكرسو لحماية النظام اللي هو الريس .. أما أن يطلقوا نور .. عجيب .. الراجل أي نعم كان فاضله أشهر قليلة و يخرج قانوني لأنه رسميا سيفرج عنه في يوليو من هذا العام .. الا أن الافراج الصحي هذا قد قلب الموازين .. هناك من قالوا أن الافراج الصحي حيلة من الحكومة لتشل نور من المشاركة في أي فعاليات رسمية و بالتالي لن تمكنه من اعادة الترشيح للرياسة .. و لكنه الرجل نفي هذا و قال أنه لديه خطة اذا أراد أن يترشح لأي منصب سياسي أو برلماني يستطيع أن يملص بها من قيود الافراج الصحي .. الراجل بتاع قانون برضه .. و بعدين لو كان يوليو جه أراهن و أقطه دراعي أنه ماكانش حيخرج .. و دعونا نتذكر مئات المعتقلين الاخوان المسجونين بدون حكم أساسا و أننا في دولة الرئيس لا القانون .. الرئيس الذي يعفي فينصاع القانون و يتهم فينصاع القانون .. لم يكن ليخرج .. الرجل تهديد في قلب الرئيس و نجله العزيز .. هو طبعا خرج في اطار تعديل العلاقات الطيبة بين ادارة مبارك و ادارة أوباما .. و أن قرار الافراج الصحي جاء لحفظ ماء وجه النظام .. لكن الافراج برضه عجيب .. أيمن نور جمع حوله قطاع عريض من الشعب في وقت قصير جدا .. ولو فكر في دعم علاقاته مع الأمريكان سيرون أنه ميال للديموقراطية و الاصلاح فسيأتوا به و طز في مبارك و ابنه .. ألم ينقلبوا على أحبائهم و يذبحونهم فيما بعد كصدام حسين .. و اذا لم يصل للرياسة فانه نوي أن يكرس نفسه في الفترة القادمة لتزويد الحزب بالأعضاء .. أي ان هناك حزب معارض سينشأ .. و نحن في دولة ينغصها الاختلاف و يقض مضجعها المعارضة و لا ترتاح الا اذا سوتهم بالتراب و صنع منهم تماثيل جوفاء و تبتر جرايدهم و تقتل شعبيتهم .. فكيف سيتعامل اذا النظام مع المقبل .. الراجل متوصي عليه من بره .. لا أدري .. خبر عجيب .. أما عنه فيقول الكثير من المحللين و الكتاب و على رأسهم طلعت السادات أن الساحة متأهبة لحركة شعبية عليه أن يستغلها .. فهل سنري خير اللهم اجعله خير معارضة مصرية؟

*

منذ بدأ شغفي بالقراءة و أنا أقرأ ما يقال عن الكتاب لأقرأ أحسنهم .. و كان دائما يحتل الطيب صالح الأديب السوداني مكانة رفيعة في أي نقد .. فجعلت أبحث عن كتبه .. و صاح الجميع " موسم الهجرة للشمال" و كأنها لا مثيل لها .. اشتريتها و انكببت على قراءتها .. ولكنها لم تعجبني .. أسلوبه بديع و لكن التركيب الروائي كان اباحي و غامض و لم أفهمه أو أستسيغه .. امتعضت .. و ركنت الراجل على جنب .. و قرأت لأدباء شتي في رحلة القراءة اللذيذة .. ولكن دائما بين السطور في كل مكان يطل الطيب صالح كواحد من أرفع الأدباء و أشهرهم صيتا و أنعمهم انتقادا .. و عندما لاح أمامي كتابا في مكان ما عن القصص القصيرة العربية قلبت صفحاته و وجدت للطيب صالح قصة قصيرة .. قلت أجرب .. و أهو فيه ناس تانية لو طلع فاكس .. و اشتريت الكتاب و قرأت قصة الطيب صالح مترقبا السحر الذي طالما سرده الكاتبون عنه .. ولكني لم أفهم أي شي .. رغم ان قلمه رهيف جدا .. و لكن هذه المرة لم تكن القصة اباحية ولكنه كان يتحدث عن ناس و مواقف كأنك لك بها سابق معرفة فلا داعي لشرحها .. كأنها فصل من رواية جاءت في هذا الكتاب بالخطأ .. تجاهلت الرجل مجددا حتي زاد الكلام و زاد ذكره .. فقلت ذات معرض كتاب و الله لأقراله و اللي يحصل يحصل .. فجئت بأكثر من رواية .. و بدأت الغمة تنزاح شيئا فشيئا .. الراجل رهيف جدا و فظيع جدا و جامد جدا .. كل الحكاية أن له عالم خاص يطوف حوله دائما و يرفرف فيه في كا ابداعاته .. قرية معينة في السودان و شخصيات لا تتغير و مواقف تتكرر و لغة سودانية أتقنتها فيما بعد لا تتبدل .. بعد أن قرأت "ضو البيت" و "دومة ود حامد" فتنت بشدة من "عرس الزين" و سحرتني حقا .. الراجل ذو قلم اغتبره فعلا من أفضل الأقلام العربية .. و لم يكن غريبا بعد ذلك أن أجده في قائمة عالمية ضمن أفضل مائة اصدار أدبي في القرن العشرين .. عدت بعد أن قرأت كل انتاجه الأدبي الي القصة القصيرة فاذا بطلاسمها تتفكك و غوامضها تنكشف .. انه يتكلم عن نفس الجد المزواج و الولد الشقي و العريس الذي جاء من السماء و النيل الذي يأتي بالحياة .. انجدلت مع العالم الذي صنعه .. و خرجت من رحلتي معه و هو يحتل مكانا بارزا من عشقي للأدب .. كنت أظنه ميت .. لأني على كثرة ما قرأت عنه لم أجده في حوار أو رأي معاصر .. و لكني فوجئت منذ أيام خبر وفاته .. تأثرت فعلا .. رحل أحد أفضل الكتاب العرب على الاطلاق .. الطيب صالح مواليد 1929 السوداني الجبار في كتاباته .. عمل و عاش في لندن .. و قدمه الناقد الكبير الراحل رجاء النقاش بعد ان قرأ موسم الهجرة التي مازلت أظن أنها أسوأ ما كتب و قدمه للعالم .. قرأت أنه كسول و لم يحب الكتابة و لم يتمني أن يكون كاتب .. و زاد من اعجابي به اشارة ابراهيم أصلان و المخزنجي اليه بالود .. وهما أفظه اديبين مصريين معاصرين في الجمال .. أعماله باقية على أي حال .. و جملته المفضلة التي اقتبستها هنا في المدونة مازالت تحضرني عند لحظات الأسي و اليأس:ـ

ثمة آفاق كثيرة لابد أن تزار، ثمة ثمار يجب أن تقطف ، كتب كثيرة تقرأ، و صفحات بيضاء في سجل العمر، سأكتب فيها جملاً واضحة بخط جرئ

قالوا



فأحد مصادر متعتي الكبري في الحياة أن أجلس الي طاولة بأي مكان .. وهكذا أضع ورقة على الطاولة و ابدأ السفر .. حرفيا .. تشبه الكتابة السفر .. انها خروج من ذاتي لحياة أخري .. قد تكون أفضل


*


لو كليزيو