Wednesday, May 27, 2009

عن صدمة الحفيد


انتقل الي رحمة الله تعالي محمد علاء محمد حسني مبارك .. عندما يلم الموت بأسرة .. فان الأوجاع تحيطها و تشملها .. سيما اذا كان طفلا لم يبلغ الحلم .. بدءا من الرضع و حتي قبيل البلوغ .. أما ان يكون المتوفي من أسرة رئيس جمهورية مصر العربية .. فانه يجعل المصاب معقدا متشابكا يدر الكثير من الكلام الي جانب الأسي .. موت الأحباء كارثة تندلع في الصدور و يتعاطي معها صاحب المصاب كل علي شاكلته .. أذكر منذ أسابيع ان زوجة أحمد نظيف رئيس الوزراء توفت .. و كان الخبر صادم أيضا .. فالرجل لم يعلن عن أي شئ يخص حالة مرضها من قريب أو بعيد .. و لم ينصب مرض زوجته شماعة يعلق عليها اهمالا أو تباطؤا .. زوجته المتوفاة كانت مريضة منذ أربع سنوات كما أوضحت الصحف فيما بعد .. و كانت تخضع للعلاج بالاقامة في أمريكا .. و نحن لا نعلم شيئا .. و عندما توفاها الله منع السيد الوزير أن تمتلأ الصحف الرسمية بالنعي تلو النعي قائلا أنها بذخ لا ضرورة له .. و هذا والله لآية من آيات دماثته .. ان الرجل يحتل منصب -طبقا للدستور بعد التعديل الأخير- يجعله ثاني أهم رأس بعد الرئيس .. و رؤساء الوزراء محط اهتمام مؤرخي مصر مثلهم كمثل ملوكها و رؤساءها .. أي انه رجل على قمة مصر و يمتنع عن الانسياق وراء الزيف الاجتماعي المفرط .. احترمته كثيرا .. أيضا موت أقرب الأحباءتفرض على المرء حالة من الحزن الجليل الذي تتلاشي عنده كل العداوات المعلنة و المخفية .. فمنذ أيام توفت أم المهندس المسجون منذ وعيت خيرت الشاطر .. أما حكم الاعتقال الجائر فمستمر و أما العزاء فقد صرح له بحضوره .. موت الأطفال بالذات ربما يكون أشد ايلاما .. لأنهم ببساطة أبرياء .. رغم ضجيجهم و عدم شعورهم بمسئولية ما يفعلونه الا أنه يكفي بأن تنظر لأعينهم للتيقن من حقيقة فريدة لا يمتلكها الا الأطفال .. انهم لا يضمرون لك السوء من أي نوع .. بل انهم قلوب مفتوحة على مصراعيها .. براءة عذبة و فريدة .. أما المتوفي محمد علاء مبارك فكان مصاب خاص بأسرة الرئيس و أتجرأ بالقول و لدي كل أسرة مصرية .. بدءا من الحاقدين الكارهين حتي المنافقين الطبالين .. ان هؤلاء المسئولين ربما يكونوا أكثر أهل الأرض خوفا .. من المستقبل من القادم من غد بل سلطة من حليف ينكث من مال يزول .. الهم يحاصرهم رغم أبهتهم و أناقتهم وهم أكثر الناس الذين في احتياج الي الأحفاد .. لأنهم جاءوا في وقت هم فيه على العرش بقلوب يتخطفها الرعب و في حاجة ماسة الي العينين التي لا ينعكس فيهما سوي الرغبة الصادقة في اللهو البرئ .. و قد قالت الصحف من فترة و حكت عن الكيفية التي يلاعب بها صفوت الشريف حفيده فلا هو رئيس برلمان و لا له أي سيادة على وقاره في وجود الحفيد .. و القصص التي روت في الصحف عن مبارك و حفيده حقا مؤثرة .. هو ليس فقك ولد الولد بل بكر البكر .. و ما سرد في الصحف عن العلاقة الخاصة المتينة بين الجد مبارك الذي لا نراه سوي مستقبلا للوفود الصهيونية و الأمريكية و الحفيد الذي نتلمس رؤياه في صور معدودة أو في مباراة و كأنه سر لا يسمح لنا بالخوض فيه لأمر حقا مثير .. الرئيس مثلا كان يتوجه للحفيد عندما كان في مدرسته بالتجمع الخامس عقب هبوطه الي القاهرة عند عودته من أي سفر .. الرئيس كلما عبر بجانب مدرسته يتعمد زيارته .. الحفيد كان دائم الاتصال بالرئيس هاتفا وحشتني و لازم تيجي .. الحفيد سؤل عن ماهية عمله عندما يكبر قال طيار زي جدو .. عندما كانا يلتقيا كانا ينفردان ببعض كثيرا بلا ضوابط أو جدول صارم .. كان الحفيد يرتمي في حضن الجد كعادة بداية كل لقاء .. كل هذا يخلع على المصاب بعدا مأساوي .. محمد علاء مبارك في الواقع لم يرتكب أي ذنب .. أو فلنقل لم يرتكب أي ذنب بعد .. فلا أستطيع أن أمنع نفسي من التفكير في أنه قد يكون الرئيس القدام بعد جمال مبارك .. محمد علاء صوره و هو طفل فعلا تطفح بالبراءة .. أما موته فكان مفاجئا .. فمعروف أن الرئيس ينحدر من أسرة معمرة .. و خير دليل هو الرئيس نفسه .. أي أن أباه مات على سن كبييييرة و الرئيس ماشاءالله يخطو للتسعين بصحة جيدة و حمال و علاء ماشاءالله في مقتبل العمر أما وفاة الحفيد فكانت صادمة .. و عندما سألت اتضح أن الأمر كان عيب خلقي ولد به الحفيد .. تجمعات مريبة للدم في المخ أدت الي انفجار في لحظة .. أجريت له الاسعافات الأولية في مستشفي الجلاء ثم دخل في كوما و على الفور اتصل حاتم الجبلي للتنسيق للسفر الي فرنسا و غادر الجسد الذي كان مازال ينبض ليلفظ أنفاسه بعد عملية دقيقة طويلة في باريس .. الجانب الانساني ثري .. و لكن الجانب المصراوي الخنيئ حاضر و بقوة .. شوف يا عم .. كان من المقرر أن تكرم السيدة سوزان مبارك خارج البلاد .. ألغيت الرحلة في نص خبر صغير منشور لوعكة ما أصابت محمد علاء .. و بس .. مات الحفيد و مصر لم تعرف .. و عندما بدأت البي بي سي تذيع الخبر خرج البيان من الرئاسة .. لماذا هذا التكتم .. لا أدري .. ان هذا الموت على رغم حزني الشخصي كأي انسان انما هو يلفت النظر كثيرا و يشير الي رسائل أتمني أن يفهمها الرئيس بقه .. أهمها ان ملاك الموت مازال يحلق فوق أسرة مبارك كأي أسرة .. و أن صدمة الحفيد مؤلمة و لكن هناك مئات الأحفاد يموتون في حوادث شتي و لم تبالي الحكومة أو تأخذه مأخذ الجد الي جانب انعدام الكثير من الخدمات و فساد بعضها مما يؤذي الآلاف من الأحفاد .. أوليسوا أيضا أحفادا و لهم آباءو أمهات و جد و جدة .. و اني أثق ان في قرارة نفس كل مصري وقع الحزن و لكن كيف تصرفت أجهزة الاعلام .. الاذاعة و التلفزيون الخاص كان سرادق مبالغ فيه .. أغاني دينية مستمرة على مدار يومين .. برامج توك شو مكرسة لبث كل الصور المتاحة للحفيد .. قرآن و شريط أسقل الشاشة ينعي .. اندهشت .. رد الفعل هذا كان اما اخلاصا أو نفاقا .. الحكم أتركه لك .. ثم الجنازة التي سارع اليها كل رموز الشارع المصري ثم علم مصر ملفوف على النعش .. و العلم في الحقيقة أثار جدلا .. احتج البعض و قال بأي وحه حق جنازة عسكرية و علم مصر على نعشه .. ثم أن مبارك لم يحضر كل هذا .. و هنا يطرح الموقف افتراضان .. لو كان غيابه لأنه أصلا صحيا غير كفؤ لحضور كل المناسبات فحسن .. أما لو كان حقا لم يستطع أن يكون بين ابنيه ليحمل نعش حفيده لثقل الأمر عليه فكان الله في عونه صدقا
أما الذي دفعني لكتابة تدوينة ليس كل ما سبق .. فلا فيه جديد لأي متابع للصحف و لكن الطريق التي تلقيت بها الخبر هي المسئولة .. نهار حافل و سيارتي المتحملة و مشوار لآخر الدنيا .. كان الاف الام الرفيق .. و تعودت منه البرامج المسلية المسرية المخففة من قلة ذوق القائدين و برود المارة .. و اذا بالاذاعة بالكامل مكرسة للأغاني الدينية .. قلت هي اذا ساعة خصصت لهذا و تمتمت فتح الله عليهم .. ثم مرت الساعة .. و الأغاني الدينية مستمرة .. و لا اعلانات تتخلل الأصوات الرقيقة .. و استمر الأمر قدر كبير من الوقت .. انزعجت و تذكرت الذين ماتوا و كيف استجابت الاذاعات و القنوات الفضائية و المحلية .. قلت في نفسي أحدهم مات .. و جاس عقلي في الأسماء الرنانة للمسئولين المصريين و العرب .. توقعت و تنبأت .. استقر الأمر على أحد من آل أديب مؤسسي نجوم اف ام .. و ظللت أنتظر النعي بصوت أي أحد لأعلم من مات .. و عندما أخيييييرا انقطع سيل الأغاني الدينية هب صوت يوسف الحسيني في نبرة متحفظة بادئا النعي بالرئيس .. توقف نفسي للحظة من الثانية حتي أتم جملته و سمعت أنه ينعي الرئيس و حرمه في محمد علاء .. بالمناسبة حتي آخر النهار كان النعي موجه للرئيس و حرمه و في بدء الليل فقط تم توجيه النعي الي مبارك و حرمه و علاء و حرمه .. ما علينا .. القصد اني حقا فزعت من تسرعي في تأويل الكلام .. فهمت أن الرئيس مات .. ارتعت و خفت .. للحظة من الثانية و لكني فزعت .. أنا الذي كنت أسر دائما برغبة في رحيل الرجل و شاركت في جروب على الفيس بوك عن موت الرئيس .. و طالما رأيت أن صلاح البلد يبدأ في وفاة الرئيس طالما لا ينوي الرحيل و يعزم حكمنا طالما النفس يتردد في صدره .. أنا فزعت .. نط الي خيالي أن العصابات ستتهافت على الحكم .. كل أصحاب المصالح و الطامعون و السارقون و النصابون الشرعيون سيركضوا للرئاسة ركضا .. سيلتف أناس ما يعلم بهم الا ربنا حول عرش مصر .. سيتخطف حكم مصر شرذمة ممن كانوا صاغرين في حكم مبارك .. لا أقصد الاخوان .. بل كل صاحب سبوبة أو صاحب قلب أسود استطاعت الحكومة و ذراعها الأمني أن يشكمهم .. الحكومة التي اختلف معها حد الكراهية تحتوي بشر من صنف بغيض تساومهم أحيانا أو تردعهم في عنف أحيانا أخري .. نظام أمن مبارك بكل فروعه يحافظ على توازن بين الشرفاء المتقوقعين و الأشرار الذين ينهبون تحت سمع و بصر الحكومة .. هؤلاء ان تركوا على حل شعورهم لا أدري الي اين سيسوقونا و أي هوان سيسومونا .. ان مبارك المثقل بالاتهامات المترع بالفشل الاداري و الشاهد عصره على أسوأ فساد فعلا حقق توازن المساومة على أطماع الأشرار .. ان رحيل مبارك المفاجئ و الذي هو منتظر في أي لحظة بالوضع الراهن بدون نائب رئيس و في ظل وجود الأسماء المعروفة على كراسيها ليهدد الأمة بشر مستطير متطاير سيجعلنا نترحم على استبداد مبارك .. هذا اعتقادي الشخصي .. تصور رحيل مبارك نظريا غير حدوثه فعليا .. هذا ما دفع فكري لهذا الاتجاه .. بالتأكيد مازلت على موقفي من آراء مبارك و قراراته و عصره و لكن الرئيس في نفس الوقت هو عصب أمان الشعب .. تصورت مبارك كأحد أبطال القاهرة القديمة .. كأبطال روايات نجيب محفوظ .. الفتوة .. البلطجي .. وحدها قوة النبوت .. وحدها قوة القبضة .. وحدها القوة .. هي التي جعلته مهيمن .. مسيطر .. راكب على على الناس .. قد لا يكون أفضلهم ولا أنبههم و لا أصلحهم .. ولكنه الوحيد الذي تخشاه الجموع .. كبير المكان .. يعلم الناس أنه لا طائل من مخالفته .. أن عقابه متربص بهم .. مهما ظلم أو جار .. و حكمه يسري على القوي و الضعيف .. لأنه لا غالب له بينهم .. هو متبع بالرهبة .. كلمته و حكمه مسموعين لأن الجميع يتقي عاقبة غضبه الباطش .. انصياع تام .. لا أحد يقدر على مواجهته .. على الوقوف أمامه و الهمس بكلمة ضدده .. هو الفتوة المتوج .. البلطجي الآمر الناهي الأوحد .. قدر أن يكون أعتي من بالمنطقة .. بقوته و نفوذه و بسط سلطاته .. هو يحوش عنا شرور الآخرين .. و شروره تجثم علينا الا انها رغم كل شئ مطاقة و متحملة أما ما لا يطاق و لا يتحمل هو شرورهم .. اني بت على قناعة الآن أن الرئيس مبارك لو مات على الوضع الراهن فالبلاد ستسودها حالة من الفوضي الخطيرة .. الادارة العليا للبلاد ستتخبط و يتهافت الأشرار على اقتناص الممكن على حساب رقاب العباد .. لن يرعوي أحد أو يخشي شيئا فالذي كان مكبلهم قد رحل و مات .. ان الحالة التي ستكون فيها مصر عند رحيل مبارك أشبه بحالة الظلام العام .. الكل سيختبئ في بيته و يمتنع عن النزول .. ان البلد بلا ضابط رسمي .. لا نائب و لا مرشح منافس .. حتي الوريث المنتظر الذي يتيقن البعض أنه سيتسلم كرسي السلطة قور موت أبيه هذا الاحتمال ذاته مجرد احتمال .. اذ من يدرينا ان من هم خلف جمال من المؤيدين لن ينقلبوا هم أنفسهم عليه قتلا أو نفيا خارج الوطن .. يكفي أن يلتفوا حوله بدافع كراهية عصر أبيه و ينفجر الاعلام و يهدف الي محاكمته و الجماهير العريضة بالطبع ستنساق وراء هذه الموجة .. يرحل جمال و علاء و سوزان .. ماذا بعد .. البلاد يديرها أناس لا نعرفهم و لا يتصلون بنا .. الوضع مخيف .. أو هكذا أتصوره .. لا أريد الرئيس مستمرا في الحكم و لا أريد جمال أن يرث الحكم .. أريد وضع آمن .. مفتاح الأمان هو التداول السلمي للسلطة .. فقط .. ولا مات الرئيس من هنا و قامت ثورة أخري من هنا .. و نعود الي المربع صفر .. و نعيد نفس الأحداث .. زعيم ذو أماني ثم زعيم جرئ ثم زعيم بوليسي .. و نصبح نحن الشعب نحيا في المأزق تلو المأزق و الأزمة تلو الأزمة .. التداول السلمي للسلطة هو اعادة انتخاب رئيس جديد يستكمل من نهاية سلفه وفق برنامج يعرضه على جموع الناس بين الرفض و الايجاب و أصوات في صناديق و برلمان حر و مواقف تنصر المصريين أنفسهم .. مشكلة مصر وهو دافعي هنا أن هذا التداول السلمي لابد لابد أن يتم في حياة مبارك .. تحت سمعه و بصره .. في رضاه .. لقد كافح السادات فترة من الوقت ليزيح أنصار ناصر من امامه ليتفرغ للحكم .. هذا و السادات كان أصلا نائب في زمن ناصر فما بالكم بمن يستولي على السلطة بدون أي صفة رسمية .. كم جبهة عليه مواجهتها ليتفرغ للحكم .. هذا ان حكم كويس اصلا .. طريق عرش مصر مفخخ .. لابد من الرئيس أن يقدم على الخطة الأهم في تاريخه و يعين نائب أو حتي يورث السلطة لجمال وهو حي .. والا قل على البلد يا رحمن يا رحيم .. ولابد ان يسارع الرئيس بهذه الخطوة لأن وضعه الصحي بالغ الانحدار .. الرجل هرم و الشيخوخة ستستبد به قريبا .. و بوادر هلاك صحته بدأت في الظهور .. لم يحضر جنازة حفيده .. و لا أصدق أنه زيادة تأثر .. و لم يستقبل رئيس أمريكا الضيف الذي حوله الاعلام الي مولد سيدي اوباما و لا أصدق أنه تعبير عن استياء الزيارة للسعودية .. الراجل تعبان و هذه سنة الحياة .. الراجل كبير .. و ان لم يقدم على الخطوة المصيرية بالتداول السلمي في حياته .. فالبلد في خطر

Friday, May 22, 2009

قالوا


ان مهمة الكاتب ليس في حمل القارئ على الثقة به .. بل في حمله على التفكير معه .. و ما أرخص الأدب لو كان مثل السياسة طريقا لاكتساب الثقة .. لا .. ان الأدب طريق الي ايقاظ الرأي .. لا أريد من قارئي أن يطمئن الي .. و لا أريد من كتبي أن تربح قارئي .. أريد من قارئي أن ان يكون مكملا لي لا مؤمنا بي .. ينهض ليبحث معي .. و لا يكتفي بأن يتلقي مني .. ان مهمتي هي تحريك الرءوس .. الكاتب مفتاح للذهن .. يعين الناس على اكتشاف الحقائق و المعارف بأنفسهم

*

توفيق الحكيم