Friday, September 25, 2009

عن الطالب


أشهد لمعلمي أنه أكثر أهل الارض علما .. كما أشهد له أنه أعلاهم خلقا .. و أنه لا يتكبر عن الاعتراف بجهله اذا ما صدمه أمر خارج معرفته .. و الحق أن معلمي كلما اهتز يقينه تجاه أمر أمرني بالتوجه لصاحب علم لأحصل منه ما التبس عليه .. و لكن أشهد أن معلمي هذه المرة قد بدأ يجانب الخرف .. أي امرأة هذه الذي أمرني بالسعي اليها .. منذ متي و القول الثقيل و العلم البليغ يؤخذ عن المرأة .. و أي امرأة .. انني كلما سرت في سهل او قطعت وادي بحثا عنها أعلنوا انها صاحبة علة في عقلها .. و أنها تعكف كل صباح على جزع شجرة قديم قبل ان تبدأ يومها .. اي تلف في رأسها .. و اي قرار هذا الذي اتخذه معلمي .. ايكون الهرم قد بدأ زحفه بمخه .. هاأنذا أطيع عالم عجوز و أطلب لقاء سيدة تصاحب شجرة .. و لقد مضت الايام تلو الايام أشق مسالك الكون الي هذه الارض التي تسكنها العجوز .. و كلما أثناني عقلي عن السير أتذكر حكمة معلمي و النور الذي أودعه الرب فيه فأعترف بأني لم أخسر قط من طاعتي له .. لأري ما وراء العجوز


و عند الوادي الذي طابق وصف معلمي توقفت .. قال ان اراد الرب بك خيرا ستنزل بوادي أهله مطمئنون و هالات النور على جباههم و ستري أثر عبادة الرب على وجوههم و لن يجد صدرك اي ضيق طالما انت بينهم .. فاذا وصلت للوادي فاسأل عن السيدة صاحبة الجذع العتيد .. و أنصت لأراذلهم فيم يقولون عنها .. و اسعي اليها .. و ان اراد بك الرب خيرا بعد هذا نهلت منها .. و كان أهل الوادي كما أخبر معلمي بلا زيادة أو نقص .. و وخزني الفضول أن أسأل أي عالم يعيش بينكم جعل حالكم على ما يصبو عليه أهل الورع و الصوامع .. همسوا بأن فيهم سيدة تعكف على جذع شجرة كل صباح هي من جعلها الرب السبب فيما هم فيه .. فراودني أنها ربما كانت ساحرة و لكنها صبت مقدرتها في الخير .. ايريد بي معلمي ان انهل من خزعبلات الوادي .. ثم انني بحثت عن أراذل الوادي فبعد المشقة في العثور عليهم سخروا منها قائلين انها رغم مرور السنون و ضعضعة صحتها لاتزال على ضلالها القديم .. أسروا لي أنها ليست كما يدعي الوادي على أي شئ من الصلاح .. انما هي صاحبة قلب مصبوب .. قلب شغف حبا برجل هجرها ربما نفر منها .. و هي تنتظر عودة المحبوب لتزاول حياتها الحيوانية التي تشتهي .. بل و حثوني على ان اراودها عن نفسها لعلها تقنع بي و تنسي ضلالها القديم .. قلت تالله لولا ان معلمي أمر لنكصت عائدا


و طلعت الشمس بعد ان استرحت من عناء السفر .. قمت من نومي عازما على لقاءها .. انه اليوم لا ريب .. أديت الصلاة للرب و استوقفت احد أهل الوادي المطمئنين لأسأله طريقها .. أشار و وصف حتي أوفي .. كانت تسكن أعلي الربوع .. على القمة و الحافة .. عندما ينتهي العمران و ينقطع الأناس و تلوح لي شجرة وارفة جذعها عتيد و كوخ يخال اليك انه مهجور و هو عمران بقلب امرأة .. سأجد سيدة عجوز اذا رأيتها ستود لو تلقي برأسك المتعب على صدرها الذي هدلته الأيام .. تتبعت الوصف بالحذافير .. و عند قمة السفح المنشود فاح عبير الليمون في الأفق .. وصلت .. و السيدة كانت تولي للوادي ظهرها .. و قدحين من الليمون امامها .. ألقيت سلام أهل الاسلام عليها .. ردت بلا التفات .. كانت الشمس قد أراقت نورها المتوهج على الأعالي و الأسافل .. و كانت الطيور قد شرعت في التغريد و كأنما حفل بهيج في خلل أغصان الشجر .. لم تلتفت .. فخطوت حيث تولي وجهها .. فتهللت لرؤيتي .. و كأنما تنتظر مقدمي .. و الحق أن اطمئنان اهل الوادي كلهم كبيرهم و صغيرهم لا يضاهي ما يرتسم عليها من هدأة و سكون .. و الحق ان في تبسمها الي ما شرح صدري الي جلوس امامها في اقبال .. و رغم وجهها الذي لم يخفي عمرها فانها تجلس في استقامة يتململ منها الشاب الفتي .. ربتت على كتفي في حنان صادق .. و قامت في بطء .. الي كوخها هرعت و لثوان غابت و قد جلبت معها قدح ليمون بارد و دعتني للشراب .. و طيلة الوقت لا تزايلها بسمتها .. ثم سألتني من اين جئت و ماذا تستطيع من اجلي .. قلت انني طالب علم .. أتيت من سفر أيام .. و قالت ماذا تتعلم .. قلت أصل الحرف و رسمه .. و منشأ الكلم و مقصده .. و ما يحب الرب و يكره .. الأنبياء و قصصهم .. و الصالحون و عبرهم .. فربتت على كتفي ثانية في حفاء و كأنني ابن رحمها الذي طلب العلم .. ثم سألتها ما لحالها .. قالت بين تبسمها

" يا بني الحبيب ان لي حكاية طويلة .. في سالف الزمن عندما كنت فتاة بجيد يطيح عقول الرجال تزوجت من رجل لا يري أبعد من التراب شئ .. و تشاركنا في التراب .. فكنا مضرب المثل فيما يبغض الرب .. حتي أتي رجل فينا يدعي أنه نبي .. حضر من أور .. أور التي تجاور نهر الفرات .. و مكث فينا مليا .. أذاب قلوبنا بكلامه عن الخالق ذو الجلال .. و صحا يوما و قد عزم على المضي .. فتكالبنا عليه و زوجي .. و حاولنا ما اوتينا ان نبقيه .. الا انه قال ان الرب أراد به الرحيل .. و أرشدنا الي طريق الرب و رحل .. لبثت و زوجي متفكرين .. حتي قر الرأي على أن يرحل زوجي طالبا علم الرب "

قلت " و رحل و تركك

قالت في بشر

" ما كان ينبغي له أن يقعد .. لن يأتي علم الرب بالراحة و الكسل .. ان النبي الذي جاء فينا كان يسافر من ارض الي ارض .. فسمعنا أنه راح الي القدس ثم الحجاز ثم مصر

قلت " و تركك

قالت " ما كان ينبغي له ان يستقر الي جانبي .. لابد ان يجني علم الرب .. فبه ننجي في الدار الآخرة

قلت " و متي سيعود

قالت " أمرته ألا يعود الا اذا اطمأن أن معه ما ينجينا من خطوب الرب .. و وعدني أنه متي وصل للقدر الذي ينجينا سيعود عند انبلاج الفجر تحت جذع هذه الشجرة و سيحكي لي عن رحلته من أجل الرب وهو يتناول من قدح ليمون

قلت " و متي رحل عنك

قالت " عندما كان شعري فاحم السواد

قلت " و ماذا تفعلين في انتظارك

قالت " عندما يشق النور السماء أهبط للعمل .. فأنا أعلم الصغار نطق الحرف و كتابته .. و عندما يسدل الظلام ستاره على الدنيا أدعو الرب أن يوفق المحبوب في طلبه

صمتت ثوان ثم قالت

" و الآن ماذا كنت تريد مني يا ولدي الحبيب

قمت على قدمي و وقفت .. و رأسي تدور .. حملقت فيها قليلا .. و قلت " والله ما أريد أكثر من هذا " .. ثم ودعتها في رقة و قبلت رأسها الأشيب .. و طلبت منها أن تدعو لي .. و انصرفت و رأسي مازال يدور .. لقد صدق معلمي فيما قال .. حمدت الرب على أنني رأيتها و سمعتها .. و امتنانا لمعلمي فكرت أن أجلب معي هدية له و أنا عائد .. فتذكرت شغفه بشراب الليمون

7 comments:

mado80 said...

يا مصطفي
يا صديقي العزيز

كتاباتك توصلني لحاله من الروحانيه لا نهايه لها

كلامي سوف يعجز عن ذكر اعجابي بك وبكتابتك

ربنا يوفقك بجد يا مصطفي
موهبتك غير محدوده
كتاباتك بها مسحه صوفيه واضحه
شعرت وانا اقرا هذه القصه ان بها تاثر ايضا بادب امريكا اللاتينيه
لااعرف ان كنت قرات باولو كويلو او ماركيز سوف تدرك ما اريد ان اقول

بص يا مصطفي نفسي اشوفلك كتاب بجد
عاوزك تخش علي موقع مؤسسه محمد بن راشد ال مكتوم بتقدم منح للكتاب والمؤلفين
صديق ليا هنا عمل كده وقدم بعض اعماله ودخلت لجنه ومستني الرد اهو بس فيه امل كبير انهم يطبعولوا كتاب
عاوزك تاخد الخطوه دي انت كمان
انت مش اقل من اي حد موجود بجد

ربنا يوفقك
وربنا يخليك لأني في كل مره اقرا حاجه جديده ليك بحس بمجموعه احاسيس مفتقدها كتير اوي الايام دي

كل التحيه ليك يا مصطفي

mado80 said...

http://www.mbrfoundation.ae/Arabic/Pages/default.aspx

ده لينك المؤسسه يا مصطفي
خش وتبقي تقلي عملت ايه

مصطفى محمد said...

يا مادو
يا صديقي العزيز

اولا: والله انت اللي تعليقاتك دي بتوصلني لحالة سعادة لا توصف

ثانيا: على فكرة القصة دي كنت عايز اكتبها يشكل تاني خااااالص .. بس لقيتها خدت الشكل ده لوحدها .. انا ماليش في الادب غير المصري خالص .. ماعدا استثناءات بسيطة .. باولو كويلهو منهم .. بس صدقني ما كنتش ناوي على القصة بالشكل ده خالص .. بس الحمدلله انها عجبتك

ثالثا: موضوع النشر ده كبييييييير .. انت عارف ان انا قبل كده حاولت و لفيت على معظم دور النشر .. كلهم رفضوا .. و قالوا انهم بينشروا روايات بس .. و يقولوا لأ و مايشرحوش ليه .. عشان كده قفشت على النشر .. هنا في البلوج اكتب براحتي و اتلقي الرأي مباشرة .. مع الوقت حترجع رغبتي في النشر

رابعا: انت والله بني آدم طيب .. اشكرك على المساندة و على ارشادي الي هذه المنحة .. و صدقني انا محظوظ ان انت بتقرا اللي باكتبه

:)

Ghada said...

Gamed moOoOoOot el post
7a2e2y to7fa :) masha2 allah 3alek
7a2e2y mawhob ;)

We zi ma2al Mado80 enta momken tonshor elly btektebo, momken Mahmoud ysa3dak

Estmr we rbna yewafa2ak :D

مصطفى محمد said...

ghada

الحمدلله انها عجبتك .. والله حاجة تفرح .. اشكرك على القراءة

موضوع النشر ده صدقيني مشيت فيه قبل كده و قفشت منه لأنه كان دايما في طريق سد .. لكن مع الوقت القفشة حتروح ان شاء الله

:)

mado80 said...

انت فين يا مصطفي
!!!!!!!!!!!!!!!!

مصطفى محمد said...

مادو

والله الحالة النفساوية بعافية شوية
ادعو لي بالشفاء

:)