Tuesday, March 25, 2008

عن المتجمد


خيمته كباقي الخيم المتوزعة في الفلاة

من الخارج فحسب

أما من الداخل .. فقد كانت قلعة للسخط

*

كان يكره أن يترك تأثيرا على أي أحد

سواء كان تأثير سئ .. أو جيد

كان يكره أن تحضر سيرته على أي لسان

كان يلدغ من الداخل اذا ما تم ذكره أثناء أي حديث

كان يحسب مائة مرة حساباته قبل أن يخطو خطوة

فهو لا قبل له بالكلام و لو قليل عن نفسه

أو فعله

أو رأيه

كان يمقت توجيه الحديث اليه

كان يتمني لو استطاع

بشكل ما

أن يكون في كل جلسة بمثابة غير موجود

أن يستمع للحديث المدار بعناية

ولكن بلا مشاركة أو مساهمة من أي نوع .. و لو حتي بنهنهة أو همهمة

كان يخشي الدخول في أي حوار

أو بدء أي فعل

أو انهاء أي شئ سار

لم يكن عن خوف

بل مجرد رغبته الجارفة في المشاهدة

في ملاحقة الحياة من العمق

الانصات المكثف

رؤية الطرق و هي تحفر أمامه

لمس الخيوط وهي تحاك أمامه

لم يرد أن يعطل أي شئ

و كان يخشي المساهمة بأي قدر لكي لا يكون طرف في ادارة ما أمامه

ليقينه بأن ما يند عنه

أقل بكثييييييييييير

مما سيند عن من هو سواه

*

و أخفي نيته عن الجميع

و اذا ما سئل عن صمته المتصل

أو عزوفه عن الحوار

تعلل بشتي الحجج

*

و درج في مجتمعه البدوي البسيط

أسلوب مثير لتقييم الناس

و هو آثارهم في الرمال أمام خيمهم

و تمادي البعض

و آمن أن لكل قدم .. بصمة معينة على الرمال

فبات مجال التقييم أوسع

و لقي هذا الطراز من التقييم استحسان الكثير

فهو يسهل الحكم على المتقدم للتكاح

و المريض عند مطببه اذا أراد أن يتقصي عن أسباب المرض

و القاضي اذا ما أراد تحري العدل عند حكمه

و الكثير من أوجه الحياة في القبيلة

*

دخل خيمته ذات يوم

و ترك قناعه السعيد بالخارج كالعادة

و ركل الحصاة هنا و هناك كبداية

لوح بقبضة يده في الفراغ من الغيظ

و عض على أسنانه من الحنق

و أصدر هذا الصوت الغاضب الذي ترسله حمرة وجهه

و راح يفكر في طريقة للقضاء على قبيلته الغبية

التي تسعي على الدوام لغيظه

التي كرست نفسها لدفن راحته

التي تقابله كل يوم ببراز فكرها و عفن تجلياتها

أي أحمق أرعن شديد العته روج لمثل هذه العادة البائسة

أي خطوات باتت تيسر على الناس حياتها

أي رمل أهوج قبل أن يحمل هؤلاء المخابيل

ثم شعر بضغط رهيب يطأ صدره

شعر بأن القبيلة كلها

رجالها و نسائها

شيوخها و عيالها

وحوشها الضارية التي تسكن الليل

و حيواناتها النافعة التي تسكن الخيم

كلهم سينصبوا رؤوسهم على أكفهم في انتظار عد خطواته هو

و أن الزيجات ستتوقف

و التداوي سيتمهل

و القضاة سيعطلون

و الكون سيمتنع عن الاستمرار

حتي يمن عليهم بخطواته

*

الأيام تمر

و العادة الجديدة تتوغل

و بدأت تثبت كأمر طبيعي

و أصبح من الصعب عليه

أن يجلس مع القوم

دونما السؤال عن الخطوات لدي الجالسين

فأصبح مضطرا اضطرارا

الي الكلام عن خطواته

و بصمتها على الرمال

و ساءه الأمر بشدة

و كانت تدهمه حالة قرف مستحكمة

كلما جاء الدور عليه للكلام

بدأت الحالة تدفعه دفعا الي تفضيل العزلة

و الابتعاد عن أي خيمة يشتبه تجمع القوم أو نفر منهم فيها

*

حمد القوم ربهم

على يسر الحياة

و سيرها في مسلك وادع

و كانت الأعين كلها مسلطة

على المطلب الجلل

كان الناس راضون عن حالهم

و الاستقرار باد على المعاملات

و الأوبئة امتنعت عن الظهور

و الأطفال بخير

و النساء على ما يرام

و الرجال يرفلون في قصائدهم كعهدهم

و الماعز و النعاج و النوق تأكلن علفهن في دعة

لولا أن الماء بدأ ينقص

و السماء كظمت مياهها

*

و تساءل أين التواضع المزعوم اذا

لو أن كل واحد عددوا عليه خطواته

فكيف يتواري المرء و عمله عن الأنظار

و وجد في هذا مخرجا

و أخذ يستعد لهدم عادتهم

و راح يخطط لكيفية نشر حجته

حتي سمع أن من يريد التواضع

كان يمشي و من وراءه قطيع من الغنم

حتي تنمحي آثار خطواته

*

اجتمع العلية في خيمة

و دعي العلية كل من هو مهتم

ان الماء لا يقتصر على أحد

فحضرت القبيلة كلها تقريبا

في خيمة أحدهم

و تدارسوا الأمر

بعد الاعراب عن الهم

و عرض المخاوف

و التنبأ بالمصاعب القادمة

تقرر اقامة صلاة استسقاء

يؤمها واحد من أخير الناس في القبيلة

و كان من البديهي أن يتم اختيار الامام

بناء على خطواته

*

الأمر يفتت طمأنينته

يخترق خصوصيته

يفضح ضعفه

ما كان يفر منه على الدوام

يربض امام خيمته

يجوسون في الليل

كعفاريت مجنونة

يحسبون الخطوات

و يسربون الأعداد النهائية لكل فرد في القبيلة

ان أراد أن يسكت طيلة عمره

لن يستطيع

سيبرز الكلام عن خطواته

الخوف يجمد أطرافه

و يمسح ما في رأسه

يتركها فارغة

*

و تم اختيار الامام

و تمت الصلاة

و بفضل الرب

هطلت الأمطار

هطلت بشدة

لدرجة جعلت الناس يسخروا من شدة ورع الامام التي أنزلت كل هذا الماء

و جعلتهم يفكروا في خطوة جادة لمسح أرض القبيلة لعل أي خسائر طالتها

*

قعد و تربع على أديم خيمته

و حدق الي مخرج الخيمة

و كل ما يراه .. أشخاص سيلهثون وراءه

سيسئلوه عن خطواته

و ينهروه لقلتها

و يتهموه بالصمت

نعم

هم بلا شغل سواه

نعم

*

و تمخضت الاجتماعات عن مسح كامل لأرض القبيلة

خيمها و آبارها الجافة التي فاضت الآن و أسواقها و كل شئ

فكلف البعض بالمرور على الخيم للتأكد على سلامة من بداخلها

*

صدق من قال

أن من خاف من عفريت وهمي

تجسدت له الجان

كم تسمر أمام مخرج الخيمة

الآن هو يسمع بنفسه

انهم يقتربوا منه

ينتشرون كالظلام عند الغروب

سيطعنوني بخناجر أسئلتهم

سأنزف دماء حمراء ساخنة من العجز

وقف فجأة

و أراد أن يهرب

أن يتبخر اذا لزم الأمر

و لكن ثمة شعور غريب اجتاحه

فتح فمه عجبا .. فلسانه لم ينطق

و اتسعت عيناه كذلك

*

شملت الجميع بهجة

ألم تستقم حياتهم

و ذابت مشاكلهم

و كللت مساعيهم بالمطر

الذي سيفي باحتياجهم و أجيال من بعدهم

فركب الجميع حماس غير عادي

حتي البسطاء الذين كانت كل مهمتهم في هذا اليوم

المرور على كل خيمة

و التأكد من سلامة قاطنيها

و اشاعة البهجة فيها

و عون أهل كل خيمة في شئونهم

و تلبية أمر عز عليهم تحقيقه

*

و في اثناء عملية المسح

مر مساحان

على خيمة

هتفا كثيرا أمامها

ليخرج لهم من داخلها .. فيستأذنوه .. فيدخلا

و لم يجيب أحد

فخبطا على الخيمة لكي تهتز فيستيقط أو يتنبه من بداخلها

و لم يستجيب أحد

تبادلا نظرة حيرة

شهر الحج فات

و قوافل التجارة وصلت و استقرت

و لم يسمعا بأي اقتتال قريب يشغل محاربي القبيلة

اذا أين صاحب هذه الخيمة

و لما اعتراهما قلق

دخلا

أجالا بصرهما بالخيمة

يذرعان كامل مساحتها

فلم يجدا سوي

تمثال بالحجم الطبيعي

لرجل يفتح فمه

و عيناه متسعتان

فاستنكرا أن يتواجد في قبيلتهم تماثيل كالأصنام

فأخرجاه .. و حطماه

و انصرفا

*

اللهم لا تجعل شخصنا السئ يهزم شخصنا الحسن

اللهم أعنا على ذكرك و حسن عبادتك

7 comments:

mado80 said...

أيه يا مصطفي الجمال ده

القصه أكثر من رائعه واسلوبك فيها يجنن

تعرف فكرني باسلوب احمد خالد توفيق

هو فعلا سعات بعد التقاليد الأجتماعيه الباليه قد تدفع بعضنا أن يتمني لو تجمد

فيه سؤال برضه بسأله دائما لمن يمتلكون الموهبه الكبيره في الكتابه زيك كده يا مصطفي

ما فكرتش تنشر اعمالك ما فكرتش تعرضها علي دار نشر مثلا يا مصطفي

يارب يا مصطفي يجي يوم كده واشوفك اديب كبير قد الدنيا أنت تستاهل كده فعلا

تحياتي ليك يا مصطفي والف تقدير لشخصك الكريم

ahmed mefrh said...

جميله جدا
و لفظ المتجمد لفظ يوحى بكثري من المعانى

تحياتى ابو مفراح

مصطفى محمد said...

مادو
الفظيع

القصة بلا قراءة .. لا تساوي شئ
انت لا تعلم كم تدخل على من البهجة كلما رأيت تعليقك الذي يطمئني أن القصة قرأت

تصدق انا عمري ما قريت لأحمد خالد توفيق .. ممكن ترشحلي اسم كتاب جامد و عجبك

بالنسبة للنشر .. يووووووووه .. انا محتاج دعواتك يا مادو .. النشر صعب جدا .. و الحياة ما طلعتش وردي خالص

يا رب ما تقطع تعليقاتك عني أبدا يا رب

:)

مصطفى محمد said...

أبو مفراح

أشكرك جداو بصدق على قراءتك للبوست
زيارتك أسعدتني

تحياتي لك

mado80 said...

مصطفي

ازيك يا جميل

انت بجد ما قريتش حاجه لأحمد خالد توفيق ده كاتب رائع جدا وبجد مش هاتخسر لو قريتله

بص يا مصطفي هو ليه روايه لسه نازله جديد ومسمعه أوي
عن دار ميريت للنشر اسمها يوتوبيا روايه رائعه أوي انا كنت متابعها لما كانت بتنزل حلقات في جريده الدستور

كمان ليه سلسلتين جمال أوي واحده اسمها ما وراء الطبيعه ، والتانيه اسمها فانتازيا

السلسلتين عباره عن كتب جيب بتصدرهم دار النشر اللي بتنزل رجل المستحيل بتاعت نبيل فاروق

أتمني من الله أن يجئ اليوم الذي أري فيه كتاب لك يباع في الاسواق لأنك زي ما قلتلك تستاهل ده بجد

تحياتي ليك يا مصطفي وألف تقدير لشخصك

مصطفى محمد said...

مادو

أشكرك على الرد .. أنا فعلا تابعت اصدار يوتوبيا .. ربنا يسهل و أجيبها

على فكرة .. في البوست "عن بغداد" حتلاقي لينك في الآخر .. حيدخلك على صفحة تحمل منها قصة قصيرة كتبتها أيام غزو العراق .. يهمني انك تقراها .. لو معرفتش لأي سبب .. ولا يهمك .. برضه الود موجود

:)

مصطفى محمد said...

مادو

أشكرك على الرد .. أنا فعلا تابعت اصدار يوتوبيا .. ربنا يسهل و أجيبها

على فكرة .. في البوست "عن بغداد" حتلاقي لينك في الآخر .. حيدخلك على صفحة تحمل منها قصة قصيرة كتبتها أيام غزو العراق .. يهمني انك تقراها .. لو معرفتش لأي سبب .. ولا يهمك .. برضه الود موجود

:)